سم الله الرحمـــن الرحيم
سؤال وجواب مع الشيخ ابن عثيمين
سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن الكهانة ؟ وحكم إتيان الكهان ؟
فأجاب بقوله: الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة
بأمور لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوام تتصـل بهم الشياطين
وتسترق السمع من السمـاء وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي نقلت إليهم من
السماء بواسطة هؤلاء الشياطين ويضيفون إليها ما يضيفون من القول ثم يحدثون
بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا اغتر بهم الناس واتخذوهم
مرجعاً في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل، ولهذا نقول:
الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل.
والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم،
وعقوبة فاعـله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت في صحيح مسلم أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ من أتى عرّافاً فسأله لم تقبل له صلاة
أربعين يوماً أو أربعين ليلة ].
القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر
بالله - عز وجل - لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم
الغيب تكذيب لقول الله تعالى: ( قل لا يعلم من في السماوت والأرض الغيب
إلا الله ) ولهذا جاء في الحديث الصحيح: [ من أتى كاهناً فصدقه بما يقول
فقد كفر بما نزّل على محمد صلى الله عليه وسلم ].
القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس، وأنها كهانة
وتمويه وتضليل، فهـذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
أتاه ابن صياد، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه فسأله
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خبأ له ؟ فقال: الدخ يريد الدخان. فقال
النبي: [ اخسأ فلن تعدو قدرك ].
هذه أحوال من يأتي إلى الكاهن ثلاثة:
الأولى: أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن يقصد بيان حاله فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين ليلة.
الثانية: أن يسأله فيصدقه وهذا كفر بالله - عز وجل - على الإنسان أن يتوب منه ويرجع إلى الله - عز وجل - وإلا مات على الكفر.
الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ويبين حاله للناس فهذا لا بأس به.
سؤال وجواب مع الشيخ ابن باز
حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم
الحمـد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة
والعرافين وأشباههـم، لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزواج والنجاح في
الامتحان وغير ذلك من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها كما قال
الله تعـالى: ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول
فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) ( سورة الجن: 26 ) وقال سبحانه: (
قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) ( سورة النمل: 65 ).
فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى
الله عليه وسلم ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب،
وإنما يكـذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون، قال تعالى:
( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى
يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم
بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ
مَا يَضُرُّهُـمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ
مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ
أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) ( سورة البقرة: 102 ) وقال
سبحانه: ( إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) ( سورة طه: 69 ).
وقال تعـالى: ( وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون.
فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ) ( سورة الأعراف: 117، 118 ).
فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر، وما له في الدنيا والآخرة، وأنه
لا يأتي بخير، وأن ما يتعلمه أو يعلمه غيره يضر صاحبه ولا ينفعه، كما نبه
سبحانه أن عملهم باطل، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [
اجتنبوا السبع الموبقات ] قالوا: وما هـن يا رسول الله ؟ قال: [ الشـرك
بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال
اليتـيم والتولي يوم الزحـف وقذف المحصنـات الغافلات المؤمنات ] متفق على
صحته.
وهذا يدل على عظم جريمة السحر لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من
الموبقـات وهي المهلكات، والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما
قال تعالى: ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ( سورة
البقرة: 102) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ حد الساحر
ضربة بالسيف ]. ( رواه الترمذي ).
وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل بعض السحرة
من الرجال والنساء وهكذا صح عن جندب الخير الأزدي رضي الله عنه _ أحد
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم _ أنه قتل بعض السحرة، وصح عن حفصة أم
المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وعن عائشة
رضي الله عنها قالت: سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال: [
ليسوا بشيء ] فقالوا: يا رسول الله إنهـم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون
حقـاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ تلك الكلمة من الحق يخطفها
الجني فيقرقرها في أذن وليه فيخلطوا معها مائة كذبة ]. ( رواه البخاري ).
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: [ من اقتبس
شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ] ( رواه أبو داود
وإسناده صحيح ) وللنسائي عن أبي هـريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم: [ من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق
شيئاً وكل إليه ] وهذا يدل على أن السحر شرك بالله تـعالى كما تقدم، وذلك
لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم بما يطلبون من ذبح
وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عز وجل.
فالكـاهن من يزعم أنه يعلم بعض المغيبات، وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في
النجوم لمعـرفة الحوادث أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما
ورد بالحديث الذي مر ذكره ومثل هؤلاء من يخط في الرمل أو ينظر في الفنجان
أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعماً منهم أنهم يعرفون بذلك علم
الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد، لأنهم بهذا الزعم يدعون مشاركة الله في صفة
من صفاته الخاصة وهي علم الغيب ولتكذيبهم بقوله تعالى: ( قل لا يعلم من في
السموات والأرض الغيب إلا الله ) ( سورة النمل: 65 ) ( وعنده مفاتح الغيب
لا يعلمها إلا هو ) (سورة الأنعام: 59 ) وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه
وسلم: ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكـم إني
ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) ( سورة الأنعام: 50 ).
ومن أتاهم وصدقهم بما يقولون من علم الغيب فهو كافر، لما رواه أحمد وأهل
السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [
من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى
الله عليه وسلم ] وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: [ من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة
]، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [
ليس منا من تطير له أو تكهن له أو سحر له ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول
فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ] ( رواه البزار بإسناد جيد
).
وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم وما يسمى بالطالع
وقراءة الكف وقراءة الفنجان ومعرفة الخط وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة
والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهليـة التي حرمها الله ورسوله صلى الله
عليه وسلم ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها أو
إتيان من يتعاطها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك لأنه
من علم الغيب الذي استأثر الله به.
ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره وأن يعتمد على
الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية
المباحة، وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو
تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظاً على دينه وعقيدته،
وحذراً من غضب الله عليه، وابتعاداً عن أسباب الشرك والكفر التي من مات
عليها خسر الدنيا والآخرة.
نسأل الله العافية من ذلك ونعوذ به سبحانه من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في
غضبه، كما نسـأله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات
عليه، وأن يعيذنا جميعاً من مضلات الفـتن ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،
إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من فتاوى ابن باز رحمه الله