الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
سبق أن كتبت موضوعاً دقيقاً ومفصلاً في كتابي الموسوم ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) على النحو التالي :
لا بد أولا وقبل أن أتكلم عن هذا الموضوع من طرح آراء العلماء والباحثين ومعرفة موقف الشريعة المتزن من هذا الأمر ، وأذكر في ذلك ما يلي :-
* آراء أهل العلم والمتخصصين في ( الحوار مع الجن والشياطين ) :
إن مسألة التحدث مع الجن والشياطين ليس لها دليل شرعي ، بمعنى أنه لم يردنا دليل واحد من الكتاب أو السنة على ذلك ، ولكن الأمر واقع وقد ورد لنا بالتواتر سواء من المتقدمين أو المتأخرين ، وعليه أنقل كلام أهل العلم في ذلك :
* قال شيخ الإسلام بن تيمية : ( فيخاطب الجن بذلك ويعرفون أن هذا فاحشة محرمة ، أو فاحشة وعدوان لتقوم الحجة عليهم بذلك ، ويعلموا أنه يحكم فيهم بحكم الله ورسوله الذي أرسله إلى الثقلين الجن والإنس ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 40 ) 0
* وقد أنكر ابن حزم مسألة كلام الجني على لسان المصروع حيث يقول : ( وأما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزَّامين ، ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز ، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام ، فكيف صار لسانه لسان الشيطان ؟ إن هذا لتخليط ما شئت ، وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها ، كما قال الله تعالى : ( الَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) ( سورة الناس – الآية 5 ) فهذا هو فعل الشيطان فقط 0 وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق وجنون ظاهر ، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات ) ( رسائل ابن حزم الظاهري – 3 / 228 ) 0
* قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - : ( وقسم آخر - يعني الصرع - بسبب الشياطين والجن يتسلط الجني على الإنسي ؛ فيصرعه ويدخل فيه ويضرب به على الأرض ويغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس ، ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه ، الذي يسمع الكلام يقول أن الذي يتكلم الإنسي ولكنه الجني ، ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف لا يكون ككلامه وهو مستيقظ لأنه يتغير بسبب نطق الجني 0
هذا النوع من الصرع نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات 0 هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير 0
أحيانا يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي 0 وأحيانا لا يتكلم وقد ثبت هذا !! أعني صرع الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع ) ( شرح رياض الصالحين – 1 / 177 ، 178 ) 0
* قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم ويجيبون على أسئلة يلقونها ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركا أو سحرا ، فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون ، والله أعلم ) ( الفتاوى الذهبية – جزء من فتوى – ص 198 ) 0
* قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - : ( لا أعلم دليلا شرعيا يثبت وقوع كلام الجني على لسان الإنسي ) ( برهان الشرع في إثبات المس والصرع – ص 51 ) 0
* قال الشيخ أبو بكر الجزائري في مقدمته لكتاب الأستاذ وحيد عبد السلام بالي في كتابه المنظوم " وقاية الإنسان من الجن والشيطان " : ( فقد أبطل به التصورات الخاطئة لفئة شبه ضالة نفت قديما وحديثا حلول الجان في الإنسان والتحدث على لسانه ، والإفصاح عن كنهه ومراده ) ( وقاية الإنسان من الجن والشيطان – ص 5 ) 0
وقال – حفظه الله - : ( تكلم الجان على لسان الشخص الذي يحل فيه ، ويتلبس به ، وإخباره بأمور لم يكن الإنسان المصاب به يعرفها ، حتى إن بعضهم ليتكلم بلغات لم يكن المصاب يعرف منها حرفاً واحداً ) ( عقيدة المؤمن – ص 210 ) 0
* قال الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع : ( وأما القول بتكذيب ما يقوله المجنون على لسان الجان ممن تلبس به بأنه فلان ، وأنه من أرض كذا إلى آخره ، فهذا شيء لا نستطيع تكذيبه ولا تصديقه لانتفاء النصوص الشرعية – فيما أعلم – على ذلك نفيا وإثباتا 0 والله أعلم ) ( مجلة الأسرة – ص 38 – العدد 69 ذو القعدة 1419 هـ ) 0
قال صاحبا كتاب " كيفية إخراج الجان من بدن الإنسان " : ( ففي هذه الحالة يتم التعامل والتخاطب مع الجني ويؤمر بالخروج ولا يكثر المعالج في التخاطب معه فيما لا يفيد لكي لا يأنس الجن له ويموه عليه ، فيزجر ) ( كيفية إخراج الجان من جسم الإنسان – ص 66 ) 0
* ولا بد تحت هذا العنوان من أن أعرج على كلام للأستاذ علي بن محمد ياسين يدعو فيه إغلاق باب المحاورات بالكلية حيث يقول : ( لا بد من إغلاق هذا الباب لأسباب هي :
أولاً : أنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم محاوراته للجن الماس – وضرب أمثلة على ذلك منها حديث يعلى بن مرة وحديث عثمان بن العاص – 0
ثانياً : أنه بذلك يُفتح باب للجن بالتضليل والتلبيس والتشكيك في دين الناس وعقائدهم ، بجعل فرصة لهم بالحديث معهم وأخذ التوجيه منهم ، بل استخدامهم في العلاج عند بعض المعالجين ، وما خرجت تلك الوصفات القريبة من الكهانة إلا من هذا الباب 0
ثالثاً : في بعض الحالات لا يكون الجني تمكن تماماً من بدن الممسوس ، فبمحاورة المعالج له ومحاولة استنطاقه من البعض يجعله يتمكن التمكن التام من الجسد ، وبعضهم يسأله بالله العظيم أن ينطق على لسانه ولا يؤذيه ، وهذا واضح البطلان 0
رابعاً : المعالج بمحاورته للجني يضطر للتوقف عن قراءة الرقية التي هي المؤثرة في الجن 0
خامساً : من الملاحظ أن لذلك الحوار مع الجان الماس أثره السلبي على المريض وعلى من حوله من ضعاف الإيمان 0
سادساً : إن المعالج بمحاورته تلك ، قد تنكشف نقاط ضعفه وتظهر عيوبه للجن من قلة علم وضعف شخصية وغيرها 0
ويختم الأستاذ الفاضل كلامه قائلا : ( وختاماً فليسعنا ما وسع نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولنهتدي بهديه ونسر على خطاه ، فهذه سنته بين أيدينا ، بينت لنا الطرق الشرعية في التعامل مع الجن المعتدي ، وكيف نقرأ وماذا نقرأ 0
وأما أن نعدل عن ذلك النور إلى تلك الأساليب المظلمة وتلك الطرق الملتوية ، مدبرين عن هدي سيد المرسلين ، فإن ذلك خطأ فاحش وجرم عظيم ، أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ولا حول ولا قوة إلا بالله 000 ) ( مهلاً أيها الرقاة – باختصار - ص 62 ، 65 ) 0
قلت : كلام الأستاذ الفاضل علي ياسين يحتاج لوقفات تأمل ، حيث أن كافة النقاط المذكورة والداعية في نظره لإغلاق باب الحوارات بالكلية لا تؤخذ على إطلاقها من جهة ، ومن جهة أخرى يمكن تقنينها ، وضبطها بالضوابط الشرعية لكي تحقق المصلحة الشرعية المطلوبة ، ومن هنا أحببت أن أوضح الأمور التالية :-
1)- أشار المؤلف في النقطة الأولى بأن ذلك الفعل لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فقد ثبت عن غيره من بعده من أعلام الأمة المشاهير كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والأعمش والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز ونحوهم من العلماء الأفاضل ولكن لا بد أن يكون الضابط في هذا كله ما تقتضيه الضرورة وما تتطلبه المصلحة الشرعية العامة للمسلمين كما سوف يتضح بعد استيفاء بحث هذه المسألة 0
2)- وأما قول المؤلف - وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - من أن ذلك يُفتح باب للجن بالتضليل والتلبيس والتشكيك في دين الناس وعقائدهم ، فإن كان المعنيُّ بذلك المعالِج فقد اتفقنا جميعاً أننا نكتب ونخاطب المعالجين أصحاب العقيدة السلفية النقية ذوي العلم الشرعي المتمرسين الحاذقين في دروب الرقية الشرعية ومسالكها ، وأما دون هؤلاء فإننا لا نعنيهم مطلقاً ، وإن كان قصد المؤلف المعالَج أو من يحضر هذه الجلسات فقد بينت بما لا يدع مجالاً للشك حرص المعالِج على توخي المصلحة الشرعية وأن يكون هذا الأمر في نطاق ضيق ومحدود بناء على ما تمليه المصلحة الشرعية العامة دون الخوض في هذه الحوارات بحضور العامة والخاصة 0
3)- أما قول المؤلف بأن بعض الحالات التي لا يكون الجني فيها متمكناً من بدن الممسوس وبمحاورة المعالج له يستطيع الجني الصارع التمكن من الجسد ، فهذا الكلام فيه نظر وهو مجانب للصواب ، لأن دخول الجني الصارع واستقراره بالجسد وتمكنه من المصروع لا يعتمد مطلقاً على استنطاق المعالج له أو لا ، بل على العكس من ذلك تماماً ، فالجني الصارع يسعى دائماً إلى إخفاء حقيقة تلبسه بالجسد لقيامه بالعمل المطلوب أو المناط به أي كان سبب دخوله ، ولذلك ترى بعض الحالات التي قد تأخذ فترة من الزمن ليتكلم الجني ويعترف بالحقيقة التي من أجلها دخل واستقر في بدن المصروع ، وهنا تكمن أهمية فراسة المعالج في تحديد صدق أو كذب الجني الصارع ، وأما أخذ العهد والموثق على الجن فقد أفردت له في هذا الكتاب كلاماً مطولاً فليراجع 0
4)- وقول المؤلف بمحاورة المعالِج للجني واضطراره للتوقف عن قراءة الرقية الشرعية ، فقد أوضحت في منهج العلاج المتبع في هذا الكتاب أن الأولى والأفضل قراءة الرقية الشرعية دون توقف ، وبإمكان المعالج أن يؤجل الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية لحين الانتهاء من الرقية والدعاء وبذلك تتحقق المصلحة العامة للمعالِج والمعالَج 0
5)- أما قول المؤلف بأن الحوار مع الجان الماس له أثر سلبي على المريض وعلى من حوله من ضعاف الإيمان ، فإني لا أنكر أحياناً أن يكون هناك أثر سلبي على نفسية المريض ولكن هذا هو واقع الحال ، ولا أعتقد أن مثل هذا التأثير من خلال الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية أشد وأعظم من حالة المريض بشكل عام ، وبالعموم فالأمر برمته متروك للمعالِج الحاذق المتمرس الذي يستطيع أن يقيس الأمور كافة بقاعدة المصالح والمفاسد وعلى ضوء ذلك يقرر ما يراه مناسباً لتحقيق المصلحة الشرعية المطلوبة ، أما بخصوص من هم حول المريض من أهل وأصدقاء وأحباب فقد أشرت من خلال منهج البحث في هذا الكتاب أنه لا يجوز البتة إجراء الحوار الذي تقتضيه المصلحة الشرعية أمام أحد إلا بناء على ما يعتمده أو يقرره المعالِج ويرى فيه مصلحة عامة أو خاصة للمريض 0
6)- وقول الكاتب بأن حوار المعالِج مع الجني الصارع قد يؤدي إلى كشف نقاط ضعفه وظهور عيوبه من قلة علم وضعف شخصية ونحوه ، فهذا الكلام فيه نظر وهو مجانب للصواب ، فالمعالِج الذي يتسم بهذه الصفات التي ذكرها المؤلف ليس بحاجة لأن يحاور حتى تكتشف هذه العيوب ، ولا بد أن نعلم يقيناً أن الجن لهم قدرة فائقة في معرفة من أمامهم ودراسة شخصيته وتحليلها ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها ، خاصة أنه بإمكانهم جمع معلومات كثيرة ووفيرة عن المعالِج وحياته والحكم عليه ، وأمر هام قد يكون خفي على المؤلف - وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - أن تأثير الرقية بذاتها على هذه المخلوقات لها دلالة واضحة على قوة وشخصية المعالج ومدى تمسكه بدينه ،كيف لا وقد قال علماء الأمة الأجلاء ( والسلاح بضاربه ) وقالوا أيضاً : ( وكل إناء بما فيه ينضح ) 0
ومن خلال تتبع النصوص النقلية الصريحة وأقوال العلماء الأجلاء ، فإنه لم يثبت بالدليل الشرعي مثل ذلك الأمر وهذا هو الأصل في المسألة كما أشار العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – إلا أنه تواتر الأمر بذلك قديما وحديثا ونقل ذلك عن شيخ الإسلام وابن القيم وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وفضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري وغيرهم ، وقد ثبت لدي هذا الأمر بالأدلة القطعية من المشاهدة والمعاينة التي لا يمكن معها إنكار هذه المسألة أو ردها ، فأصبح الأمر ثابتا عقلا ونقلا ، إلا أنه لا يجوز التعدي على القاعدة الأساسية التي تضبط هذا الأمر وهي قاعدة ( أن الضرورة تقدر بقدرها ) فلا يجوز التوسع في المحاورات التي قد تفضي إلى مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله 0
وأورد كلاما يؤيد ذلك لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - نقلته مجلة المجتمع الكويتية حيث تقول : نشرت بعض الصحف المحلية وغيرها ، في شعبان من عام 1407 هـ أحاديث مختصرة ومطولة عما حصل من إعلان بعض الجن ، الذي تلبس ببعض المسلمات في ( الرياض ) إسلامه عندي ، بعد أن أعلن ذلك – كذلك – عند الأخ عبدالله مشرف العمري المقيم في الرياض ، بعد أن قرأ المذكور على المصابة ، وخاطب الجني ، وذكره بالله ، ووعظه ، وأخبره أن الظلم حرام وكبيرة عظيمة ، ودعاه إلى الإسلام ، بعد أن أخبره الجني أنه كافر ، كما دعاه للخروج من المرأة 0 فاقتنع الجني بالدعوة ، وأعلن إسلامه عند عبدالله المذكور 0
ثم رغب عبدالله المذكور وأولياء المرأة أن يحضروا عندي مع المرأة ، حتى أسمع إعلان إسلام الجني 0
فحضروا عندي فسألته عن أسباب دخوله ؟ فأخبرني بالأسباب 0 ونطق بلسان المرأة ، لكنه كلام رجل ، وليس كلام امرأة 0 وهي في الكرسي الذي بجواري ، وأخوها وأختها وعبدالله بن مشرف المذكور وبعض المشايخ يشهدون ذلك ، ويسمعون كلام الجني 0
وقد أعلن إسلامه صريحا ، وأخبر أنه هندي بوذي الديانة 0 فنصحته وأوصيته بتقوى الله ، وأن يخرج من المرأة ، ويبتعد عن ظلمها ، فأجابني إلى ذلك 0 وقال : إنه مقتنع بالإسلام 0 وأوصيته أن يدعو قومه للإسلام بعد ما هداه الله له ، فوعد خيرا وغادر المرأة 0وكان آخر كلمة قالها : السلام عليكم 0
ثم تكلمت المرأة بلسانها المعتاد ، وشعرت بسلامتها وراحتها من تعبه 0 ثم عادت إليَّ بعد شهر أو أكثر مع أخويها وخالها وأختها ، وأخبرتني أنها في خير وعافية ، وأنه لم يعد إليها والحمد لله 0 وسألتها عما كانت تشعر به حين وجوده بها ؟ فأجابت : بأنها كانت تشعر بأفكار رديئة مخالفة للشرع ، وتشعر بميول إلى الدين البوذي ، والاطلاع على الكتب المؤلفة فيه 0 ثم بعدما سلمها الله منه ، زالت عنها هذه الأفكار ، ورجعت إلى حالها الأولى البعيدة من هذه الأفكار المنحرفة ) ( مجلة المجتمع – العدد 830 – بتاريخ 18 آب من السنة 1987 م ) 0
قلت : وكلام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – يؤكد ويؤصل مفهوم دعوة الجن والشياطين إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومثل ذلك الحوار جائز بل قد يصبح واجبا شرعيا إذا اقتضته المصلحة الشرعية ، مع تركيز المعالِج في تلك الحوارات على هذا الجانب دون الخوض في الأمور التي لا فائدة منها البتة ، أو تلك التي يترتب عليها مفاسد شرعية لا يعلم مداها وضررها إلا الله سبحانه وتعالى ، والقصد من الكلام السابق أن تنضبط كافة تلك الحوارات بالضوابط الشرعية وتكون وفق القاعدة الفقهية الأصولية ( الضرورة تقدر بقدرها ) والله تعالى أعلم 0
قال صاحبا كتاب " مكائد الشيطان " : ( قد دل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كلام أهل العلم على أن مخاطبة الجني ووعظه وتذكيره ودعوته للإسلام وإجابته إلى ذلك ليس مخالفاً لما دل عليه قوله تعالى عن سليمان عليه السلام : ( وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنْبَغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ) ( سورة ص – الآية 35 ) 0
وهكذا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وضربه إذا امتنع من الخروج كل ذلك لا يخالف الآية المذكورة ، بل ذلك واجب من باب دفع الصائل ونصر المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفعل ذلك مع الإنسي ) ( مكائد الشيطان – ص 110 ) 0
المفاسد المترتبة عن الحوارات غير المنضبطة مع الجن والشياطين :
* قال الأستاذ مدحت عاطف صاحب كتاب " الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان " : ( ولا يخفى على كل ذي لب وضمير يقظ أن تلك المحاورات أورثت مساوئ ومفاسد توجب غلق بابها ، حتى وإن كانت شرعية ، وذلك درءا للمفاسد وسدا لذرائع الشر الذي ترتب على انتشار محاورات الجن في الكتب وشرائط الكاسيت 0
وإليكم معاشر الكتاب والمعالِجين المساوئ التي أدت إليها محاوراتكم مع الجن :
* المفسدة الأولى : التمثيل : ولا غرابة في ذلك ، إذ أن مشاكل الحياة المعقدة والتي عجز الكثير عن حلها والتصدي لها ، ولم يجدوا لها منفذا ولا مخرجا إلا الفرار والهروب من واقعها الأليم ، فيلوذون بما سمعوا أو قرأوا عن المحاورات ، فحفظوا عن الجن والمعالِج الأسئلة والأجوبة 0
فلا يجدون ملجأ ، ولا يرون منجى لخروجهم من واقع حياتهم العصيب إلا كذبهم واعتدائهم على عالم الجن ، وتمثيلهم بأن الذي حول مسار حياتهم وبدد أحلامهم هو الجن 0
وسرعان ما يذهبون إلى أحد المعالِجين ، فيقرأ عليهم ، فيلعب صاحب المشكلة دور الجني ، متجنيا على الجن ، والمعالِج يسأل والممثل يجيب ، وهلم جرا من تهريج وعبث وضياع للوقت والحق 0
* المفسدة الثانية : الهلع والخوف والقلق : قد تنعقد جلسة جدلية في بيت من بيوت المسلمين لملك أسرة فيها الصغير والكبير 00 رقيق القلب ضعيف الفهم 00 فيتناول المعالِج أطراف الجدل مع الجن ، ويسهب المعالِج في أسئلته ، ويكثر الجن من الكذب والاختلاق 0
وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فالحصر يدمي :
يسأل المعالِج : من أي نوع تكون ؟
فيجيب الجني : أنا ملك الجن الأحمر!!
وتنتهي الحلقة التهريجية بانصراف المعالِج دون علاج ، ويبقى الجني قابعا في بدن المعالِج 0
فبالله 00 كيف تنام أسرة ؟ بل كيف ينام فيها الصغير الذي شاهد وعاين المجادلة المأساوية ، وعلم أن ( ملك الجن الأحمر ما زال رابضا في بدن أخيه أو أخته أو أمه أو أبيه ؟!
أيها المهولون :
ملك الجن الأحمر !!
أي راحة ؟! أي سكينة ؟! أي هدوء ؟! أي نوم يجرؤ على مداعبة الجفون أو العيون ؟!
أظن أن النوم نفسه سيخشى على نفسه من دخول هذا البيت خوفا من ملك الجن الأحمر ، فما بالنا بأهل البيت ؟! فلله المشتكى !!
* المفسدة الثالثة : التهويل : وذلك من انتشار تلك المحاورات والتي صور هؤلاء الكتاب والمعالِجون الجن للناس على أنه مس وسحر ، وكأن الجن ما خلقوا إلا من أجل وظيفة واحدة وعمل واحد لا ثاني له ، ألا وهو السحر والمس ، والإضرار بالناس 0
* المفسدة الرابعة : الفتنة والوقيعة بين الناس : وتلك المفسدة العظيمة التي قد يصل فيها الأمر إلى القتل وقطيعة الرحم نتاج الشحناء والبغضاء والخصام ، وذلك عندما يسأل المعالِج الهمام الجني قائلا : من صنع هذا السحر بالإنسية الممسوسة ؟ فتكون الإجابة على جناح السرعة - وكأنها الفرصة التي أتاحها المعالِج بجهله للجني – فلان بن فلان ، وبسرعة البرق يبحث الجميع عن فلان المسكين ، وكأن الحكم قد نزل من السماء ، وقد يكون فلان هذا أخا للمريضة ، أو أختها ، أو عمها ، أو عمتها ، أو خالها أو خالتها ، أو جارها ، فيقع المحظور من خلافات ومشاحنات ومقاطعات للأرحام 0
انظروا كيف مزقوا وشائج الرحمة 00 انظروا كيف دمروا أواصر الألفة 00 كيف ضربوا الأمان 00 كيف ضربوا السكينة والوئام !
فإلى أي مدى اشعلت محاوراتكم المؤودة الميتة جذور الفتنة ونار الفرقة بين الناس 00 فتنا كقطع الليل المظلم ؟! جرّتنا إليها محاوراتكم !! والله المستعان 0
* المفسدة الخامسة : اضمحلال الصورة التخصصية في علم الجن : فأصبح كل من هب ودب وقرأ كتابا عن الجن أو حفظ محاورة مع الجن ، يظن في نفسه القدرة على علاج المس ، وسرعان ما يعلن عن نفسه وقدرته !
ومما يزيد الطين بلة قيام هذا المعالِج بتأليف كتاب عن المحاورات التي دارت بينه وبين الجن 00 الأمر الذي أدى إلى انتشار هذا المرض انتشارا عجيبا مذهلا ومريبا 0
* المفسدة السادسة : العجب الذي قد يلحق بالمعالِج : فقد يصاب المعالِج بداء العجب من جراء مكر الجن ، وعلى سبيل المثال أحد المعالِجين يقول تحت عنوان : (جني يريد أن يدخل في الشيخ ! ) :
فبعد محاورة بين الشيخ والجني ، قال الشيخ للجني :
أتخرج ؟
قال ( أي الجني ) : نعم أخرج ولكن بشرط 0
قال : ما الشرط ؟
قال : أخرج منها وأدخل فيك أنت !!
قال الشيخ : لا بأس أخرج منها وادخل فيّ أن استطعت 0
فانتظر قليلا ، ثم بكى 0
فقال الشيخ : ما يبكيك ؟
قال : أنت قلت أذكار الصباح اليوم ، لا أستطيع أن أدخل فيك 0
ولا يخفى علينا ما ينطوي عليه خبث ومكر الجني ، وذلك في استدراج المعالِج والزج به في غياهب آفات القلوب ومحبطات الأعمال ، من رياء ونفاق وكبر ، والعياذ بالله ) ( الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان – ص 44 ، 48 ) 0
قلت : هذا كلام عام موجز نافع يؤصل هذه المسألة ، ويضع لها القواعد والأسس ، ويضبطها من ناحية شرعية ، إلا أن الكاتب – حفظه الله – اتخذ موقفا متشددا من هذه القضية برمتها ، حيث أنكر كافة الحوارات دون استثناء خاصة تلك المنضبطة بالناحية الشرعية والتي يتحقق من ورائها المصلحة الشرعية للمسلمين ، وقد يعذر الكاتب بسبب ما
نراه ونسمعه على الساحة اليوم من انتشار الهرطقات والخزعبلات والحوارات المزعومة التي أدت إلى مفاسد عظيمة لا يعلم مداها وضررها إلا الله ، ولإيضاح الحق وتبيانه واتخاذ موقف وسط من كل ذلك فإني أنقل بعض ما ذكره الأستاذ مدحت – وفقه الله للخير فيما ذهب إليه - ومن ثم أعطي بعض الملاحظات المتعلقة بذلك 0
يقول الأستاذ مدحت عاطف : ( لقد قرأت العديد من الكتب القديمة والحديثة التي تناولت الحديث عن الجن والشياطين بشيء من الإسهاب الممل ، فرأيت اختلافا واختلاطا ، ولاحظت التناقض وعدم الدقة في توصيل الحقيقة إلى القارئ ، وتلبيس المفاهيم ، وتغيير الموازيين ، فأبيت الوقوف على ما قالوا وما ذكروا دونما تمحيص وبحث واستقراء 0
ولما كنت بصدد بحثي وتنقيبي في أمهات الكتب ؛ لأقف على الحقائق المجهولة ، تمكنت بفضل الله من الوصول إلى أدلة وبراهين قلبت الموازين رأسا على عقب ، وأظهرت مدى التخبط الذي وقع فيه من كتبوا عن الجن ، وأعراض مس الجن ، ومحاورته 0
ومن باب التعاون على البر والتقوى ، وأولوية المصالح العامة ، وإحقاقا للحق ، ولأمانة البحث العلمي ، أوضح الأمر برمته ، وأميط اللثام عن حقيقته ، حتى لا أهوي ونفسي في دائرة التضليل والتلبيس بوعي أو بغير وعي ، خصوصا أن تلكم الأعراض الوهمية والمحاورات الجدلية كانت سببا في تشتيت الصحيح قبل السقيم ، وإقلاق السليم قبل المريض ، فأردت الحق مبرأ من الباطل ، وابتغيت الصواب في معزل عن الخطأ ، وجادتي في ذلك كله البناء بعيدا عن الهدم ) ( الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان – ص 7 ، 8 ) 0
ثم تكلم الأستاذ مدحت عاطف – وفقه الله للخير – فيما ذهب إليه عن بطلان أعراض المس في المنام واليقظة ومما قاله :
( أفلا تدركون أن من الناس من إذا علم أنه ممسوس طال حزنه ، وخارت قوته ، وذبلت معنوياته ، وتعسر شفاؤه ؟
أو ليس من باب تطييب نفس المريض أن تريحوه ولا تزعجوه ، أن تطمئنوه ولا تقلقوه 0 خصوصا وأن تطييبكم له ليس فيه خرق أو اعتداء على حرمات الله 0 هذا مع افتراض صحة أعراضكم الجنية ، فما بالكم بخروجها عن مسار الحكمة والصواب ؟
وكم تمنيت ووددت من سويداء قلبي أن أريح عقلي وفكري من مشاق البحث والتنقيب لو أنكم التزمتم الجدية في اجتهاداتكم دون شطط 0
ثم استعرض – حفظه الله – قول بعض المعالِجين عن أعراض المس في المنام ثم كتب يقول : ( وكتب أحد الإخوة عن أعراض المس بالحرف الواحد من كتاب أحد المعالِجين 0 وجميع من كتب بعد ذلك من المعالِجين أو المنتفعين عن أعراض المس قد نقلوا من مصدر واحد 0
أيها الكتاب : أو ليس من الأدب أن نقتدي بصاحب الخلق العظيم ؟!
فلنستمع سويا ونتعلم من النبع الأصيل ، والمنهل العذب الفرات السلسبيل ، ولنطأطأ الرؤوس ، ونصغي لسيد المرسلين وهو يطمس معالم أعراض المس بدلائل بينه 0
ثم استعرض الكاتب – حفظه الله - بعض الأدلة الصحيحة المتعلقة بالرؤيا وأنها من تلعب الشيطان ، ثم قدم بعض النصائح القيمة الخاصة بذلك 0
ومما قاله بخصوص أعراض المس في اليقظة : ( وحذا حذوهما في ذات الأعراض وذكرها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، مع اختلاف بسيط في الألفاظ ، كل من كتب عن الجن 0
أيها المسلمون 00 أيتها المسلمات 00
أنصتوا جيدا !!
خطر 00 ما أعظمه !! ما أهوله !!
أن ينشر على أسماع المسلمين في أنحاء العالم مثل هذا الكلام بلا روية !!
إن الأمر كان يحتاج من كتابنا ، بل ويلزمهم ، الدقة والتأني في استيفاء الحديث عن أعراض مس الجن حقه ، أمانة للعلم وصيانة للحق 0
ثم قال : ( من دواعي الأسى والحزن الشديدين تلك المحاورات الجدلية العقيمة التي تضاف إلى بدعهم ، والتي حشوا بها كتبهم ، ولا أدري ، بل أتساءل في دهشة وحيرة : من أين لهم شرعية المحاورات التي نسجوها مع الجن ؟!!
الأمر الذي دفعني دفعا للوقوف عند هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه مع الجن ، ليكون خير شاهد على شطط ما استحدثوه 0
ثم ساق - حفظه الله – موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجن وكذلك موقف بعض أهل العلم 0
وينهي الكاتب – وفقه الله للخير – فيما ذهب إليه بحثه بقوله :
هكذا 00 أمواج غامضة 00 رياح لا نعرف مسارها إن ظل عالم الجن والشياطين كتابا مجهولا لا نغوص بين سطوره لنكشف مستورة ، ونمسك مدلوله 0
فلقد أدى الجهل به الى مفاسد جمة وخطيرة فضلا عن التذبذب الفكري والتخبط العقلي عند تناول هذا العالم كتابة أو محاضرة بتهويل فارغ ، علاوة على انتشار الدجل والشعوذة والكهانة ، الأمر الذي أدى إلى إشعال فتيل الغموض واللبس والتعتيم ، فلا خير يمكن إبصاره ، ولا شر بالمقدور إنكاره ، وأخبث الخبيث تلك الدعاوى المغرضة التي يعج بها الواقع عجا ، والتي لا هم لها ولا شغل إلا التحدث عن السحر تارة ، وقدرات السحرة الخارقة للعادة – على حد هرطقتهم – تارة أخرى 0
ولا يخفى علينا ما تنطوي عليه جحافل تلك الدعاوى الشرسة الزاحفة من الغرب زحفا بأفعاوية ماكرة حاقدة خبيثة لتدمير عقائد المسلمين 0
فهم أصحاب الأنفاس الطويلة التي لا ينتبه إليها كثير من الناس ، وهم بسحرهم يريدون إيهام المسلمين أن بمقدورهم القيام بأفعال هي عند المسلمين معجزات لأنبيائهم ، بالنسبة لهم أعمال عادية لا إعجاز فيها 00 كادعاء أحدهم أن باستطاعته دخول النار والخروج منها دون أن يحترق 0
والصمت الرهيب في النهاية هو ملاذهم 00 الصمت القاتل والمكتظ بالألغاز وعلامات الاستفهام التي تضرم نار الشك في عقيدتهم 0
ومن هنا يبرز لنا ويتضح كيف أن التخصص في علم الجن من الأهمية بمكان للذب عن العقيدة الإسلامية 0
لذلك كله 00 أهيب بكل من تصدى لهذا العالم الخفي كتابة أو محاضرة ، ناقلا أو معلما ، أن يتقي الله في الناس عامة ، والمسلمين خاصة ، بتحري الدقة ، واستيفاء البحث والاستقصاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وإلا فليدع المجال لأهله ، وليترك الأمر لأناسه ) ( الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان – باختصار – 75 ، 76 ) 0
وأدون تحت هذا العنوان بعض الملاحظات التي ارتأيت فيها الفائدة والمصلحة الشرعية لعامة المسلمين وخاصتهم ومنها :
1)- المحاورات الجدلية العقيمة : لقد أثبت آنفا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوز الحدود الشرعية في هذا الجانب بالذات ويكتفى بالمحاورة الهادفة التي يتحقق من ورائها المصلحة الشرعية في الرقية والعلاج ، وبالقدر اليسير الذي نحتاجه كضرورة للعلاج والاستشفاء ، وما دون ذلك لا يخاض فيه ولا يسأل عنه ، خاصة المسائل والقضايا الغيبية المتعلقة بعالم الجن والشياطين ، فكل ذلك يدخل ضمن نطاق ناموسهم وعالمهم الخاص بهم ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال إقحام النفس في تلك القضايا ويكتفى بما قررته النصوص القرآنية والحديثية عن هذا العالم وأحواله وخفاياه 0
2)- بطلان أعراض المس في اليقظة والمنام : تعرض الأستاذ ( مدحت عاطف ) إلى بعض النقاط المتعلقة بهذا الجانب وأحب هنا أن أدون وأوضح رأيي في تلك النقاط من باب الأمانة العلمية وإحقاقا للحق وإظهارا له :
أ - ذكر الكاتب – وفقه الله للخير – فيما ذهب إليه ، أن من الناس من إذا علم أنه ممسوس طال حزنه ، وخارت قوته ، وذبلت معنوياته ، وتعسر شفاؤه ؟
وهنا لا بد أن ندرك جيدا أن الأمراض التي تصيب النفس البشرية هي أمراض كسائر الأمراض مع اختلاف في الأسباب والمسببات ، فأما الأمراض العضوية فأسبابها تعود لاضطرابات متعلقة بالتركيب السيكولوجي لجسم الإنسان ، وأما الأمراض النفسية فعادة ما تأتى نتيجة البعد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك الفراغ أو نتيجة لخلل في العلاقات الاجتماعية الخاصة بالحالة المرضية ، وبما أن الحديث يتعلق بالجانـب الروحي المتمثل بالأمراض الروحية من صرع وسحر وحسد وعين ، فهذا الجانب يحتاج للطبيب الحاذق المتمرس الذي يستطيع الوقوف على الداء لأجل اختيار الدواء النافع بإذن الله تعالى ، وهذا لن يتأتى إلا لصاحب العلم الشرعي الذي يقدر المصالح والمفاسد ، ويدرس الحالة المرضية دراسة مستوفية لتوجيهها الوجهة الصحيحة للاستشفاء والعلاج ، وقد أكدت على كافة تلك الحقائق من خلال ثنايا هذا البحث المتواضع ، وكما أن الطبيب العضوي قد يواجه بعض المرضى ممكن يعانون من أمراض مستعصية يصعب علاجها وشفاؤها بناء على المعطيات العلمية المتوفرة لديه وكل ذلك واقع تحت قدرة الله ومشيئته ، فيوجهون الحالة بناء على معرفتهم بشخصية صاحبها ودراستها دراسة مستوفيه ، وقد تكون المصلحة الشرعية أحيانا إعلام المريض بحالته ومرضه ليتزود من الدنيا للآخرة ، وقد تكون المصلحة أحيانا أخرى أن يترك المريض على حاله دون الكشف له عن معاناته ومرضه لأسباب كثيرة وهذا ما يقرره الطبيب المعالِج 0
وهكذا الحال بالنسبة للمعالِج ، فقد يرى أحيانا أن المصلحة الشرعية تتحقق من البوح للمريض عن أسباب المعاناة والألم لعودته المضطرده إلى الله سبحانه وتعالى والبعد عن المعاصي والتقرب إلى الله بالطاعات ، مع أني قد أوضحت من خلال بحثي العلمي أن الأولى للمعالِج أن يركز على زرع العقيدة في نفسية المرضى وتعلقهم بالله سبحانه وتعالى ، دون التركيز على مسائل التشخيص ونحوه 0
ب – ذكر الكاتب : ( أو ليس من باب تطييب نفس المريض أن تريحوه ولا تزعجوه ، أن تطمئنوه ولا تقلقوه ) 0
قلت : قد أصاب الأستاذ ( مدحت عاطف ) بذلك عين الحق ، وهذا ما أكدته خلال كتابي ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) تحت عنوان ( زرع الثقة في نفسية المريض ) 0
ج – ذكر الكاتب كلاما مطولا حول موضوع أعراض المس والتقاء كافة المعالِجين في تحديد كثير من الأمور والنقاط المدونة والمتعلقة به ، ويتجه الكاتب إلى إنكار ذلك المنهج حيث يقول :
( أيها المسلمون 00 أيتها المسلمات 00
في هذه الحياة التي نعيشها بحلوها ومرها ، بنصبها ووصبها ، بعسرها ويسرها 000 من لا ينسى 00 لا يحزن 00 لا يغضب 00 لا يحدث نفسه 00 لا يشعر بضيق 00 من منا لا تحتويه لحظات ذهول وشرود 0
هذه العوارض التي تعتري كل واحد منا في اليوم الواحد أكثر من مرة 00 فأي عقل ، بل أي صواب في القول بمس من تعرض لواحدة منها ؟!! ) ( الدليل والبرهان على بطلان أعراض المس ومحاورة الجان – ص 36 ) 0
قلت : قد بينت آنفا أن أمراض النفس البشرية أمراض كسائر الأمراض ، وهذه الأمراض لها أسباب ومسببات وأعراض ، وقد يلاحظ بعض تلك الأمور على الحالة المرضية سواء كان ذلك في اليقظة أو النوم ، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كما ثبت من حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – حيث قال : ( رخص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في رقية الحية ، وقال لأسماء بنت عميس : ( مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ) قالت : لا ، ولكن العين تسرع اليهم ، قال : ( ارقيهم ) قالت : فعرضت عليه فقال " ارقيهم " ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ) ، والقصد من الكلام السابق أن التقاء المعالِجين بخصوص تحديد هذه الأعراض لا يقدح في ذلك ، بسبب أن كافة الأعراض المدونة هي حقيقة أثبتتها الخبرة والتجربة والممارسة إلا أنه لا بد من التقيد بالأمور التي تضبط الأمر وتؤصله وتجعل منه منهجية في التعامل مع الحالات المرضية ومن تلك النقاط :
1)- لا يعني مطلقا أن توفر الأعراض المذكورة أو بعضها في الحالة المرضية أنها تعاني من الإصابة بالأمراض الروحية كالصرع والسحر والعين والحسد ، وقد تعزى بعض تلك الأعراض لأمراض عضوية بحتة كما تم إيضاح ذلك في موضوع ( الأعراض حال اليقظة والنوم ) في هذا الكتاب 0
2)- لا يجوز مطلقا الحكم على الحالة المرضية من خلال الأعراض آنفة الذكر بمعزل عن دراسة الحالة المرضية دراسة مستوفية دقيقة للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء المعاناة والألم ، وقد ذكرت ذلك مفصلا في هذا الكتاب تحت عنوان ( طريقة العلاج التفصيلية ) 0
3)- التأكد أن كافة الأعراض المذكورة خارجة عن نطاق تلعب الشيطان بالإنسان لإيهامه بالصرع والسحر والعين والحسد ، لصده عن الطاعة والعبادة والذكر 0
د – ذكر الكاتب - حفظه الله – بعض الأدلة النقلية الصحيحة عن الرؤيا وتلعب الشيطان بالإنسان 0
قلت : والحق في هذه المسألة أن الكاتب قد جانب الصواب ولم يصب الحق ، ولا أنكر مطلقا أي من الأحاديث التي أوردها واستشهد بها ، فكافة الأحاديث والأدلة هي نقلية صحيحة كما أفاد بذلك علماء الحديث الأجلاء ، إلا أن إدراج هذه الأحاديث وفي هذا الموضع بالذات مخالف للصواب ، فدلالة الأحاديث تتكلم عن مسألة هامة تتعلق بالرؤيا وتلعب الشيطان وهذا مخالف للمسألة الرئيسة التي نحن بصددها ، فتلعب الشيطان أمر ، والصرع والسحر والعين أمر آخر ، والذي أكده أهل العلم أن الصرع والسحر والعين له طبيعة وتأثير ، وقد يقتل ويمرض ويفرق بين الزوج وزوجه ولكل ذلك أعراض وأحوال تكلم عنها أهل العلم والمعالِجين بتفصيل وإسهاب ، وبإمكان القارئ الكريم مراجعة ذلك في كتابي ( منهج الشرع في بيان المس والصرع ) تحت عنوان ( أنواع الصرع – المس والإيذاء الخارجي المؤدي للمرض ) وكذلك ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) تحت عنوان ( أنواع السحر من حيث التأثير – سحر الآلام والأسقام ) ، وكذلك ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ) تحت عنوان ( أنواع العين من حيث التأثير – العين المؤثرة بالألم والمرض ) 0
هـ – ذكر كلاما مطولا حول موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك بعض أهل العلم عن محاورة الجن 0
قلت : لقد ذكرت آنفا أن هذه المسألة – أعني كلام الجني على لسان المصروع لم يثبت بها نص شرعي ، وقد أكدت أنه قد ورد فعل ذلك عن بعض علماء الأمة كشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، ولكن لا بد أن يضبط الأمر بما تقتضيه المصلحة الشرعية ووفق القاعدة الفقهية ( الضرورة تقدر بقدرها ) ، والتي يجب أن يراعي المعالِج فيها الأمور التالية :-
1)- عدم الخوض في الأمور التي لا فائدة من ورائها والتركيز على رفع الظلم والمعاناة عن الحالة المرضية، دون التوسع في المحاورات والتفصيلات 0
2)- التركيز على الجانب الدعوي بالنسبة للجن وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم 0
قلت : وبعد هذه العجالة في بحث مسألة الحوار مع الجن والشياطين يتضح جليا جواز الخوض في بعض الأمور المتعلقة بالعلاج والتي تهم المعالِج وترفع الظلم عن المريض ، شريطة أن يكون المعالِج على قدر من العلم الشرعي بحيث يوازي بين المصالح والمفاسد ولا يؤدي مثل ذلك الحوار إلى أية مفاسد أو أضرار شرعية ، كما تم إيضاح ذلك في منهج البحث الذي بين أيديكم 0
* قول الدكتور حسني مؤذن :-
وأذكر في سياق هذا الموضوع كلاما للدكتور حسني مؤذن الأستاذ بجامعة أم القرى يتعلق بالحوارات وبعض المواضيع الأخرى على صفحات جريدة " المسلمون " :
( يشير الدكتور مؤذن إلى عدة نقاط لما نتج عن العلاج بمعتقد أن الجني يتحدث على لسان المريض المصروع بعد استنطاقه بالقرآن والضرب والخنق فيقول :
* إمعان المريض في إعطاء لسانه حريته في التفوه بكلمات الكفر أثناء النوبة – مثل سب الله جل وعلا ، وسب الدين ، وشتم الصالحين ، والحديث عن أمور تخدش الحياء ، وذلك بسبب الشعور بعدم وجود أية قيود على حديثه ، حيث يوحي إليه المعالِجون أن الذي يتكلم هو الشيطان وليس المريض وبالتالي فالمريض ليس مطالبا بكبح دفع الشيطان له 0
* الذبح لغير الله ، حيث يعمد بعض الجهلة ، نتيجة لقول مريضهم المتخبط " إني أنا الجني فلان ، ولن أخرج حتى تذبحوا لي كذا وكذا ، وبالرغم من تأكيد المعالِج لهم بعدم التنفيذ ، لأن الذبح لغير الله محرم ، إلا أن أهله وبسبب ضعفهم أمام هذه المشكلة ، ونظرا لكثرة ترددهم على المعالِج دونما فائدة ، يجدون أنفسهم منصاعين لأمر الذبح 0
* انتشار بعض المعتقدات عن هؤلاء المعالِجين بأن لهم كرامات وقوى خاصة تؤثر في الجن حتى أنني رأيت بعضا من أهل العلم والفضل وحفظة كتاب الله ، يسترقون من هم دونهم في العلم والفضل والذين يلحن بعضهم حتى في قراءة آية الكرسي 0
* ما يرد في القصص من عقوق للوالدين ، وقطيعة للرحم ، ورمي الصالحين بالكفر أو الفسق ، باتهامهم بعمل السحر تصديقا لقول الجني المزعوم 0 وقد يبرر البعض أن الجن فيهم كذب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " صدقك وهو كذوب " ولكن من يضمن لنا أن أهل المريض اقتنعوا أن جني مريضهم كاذب 0
* استغلال الذين في قلوبهم مرض من العلمانيين والمرجفين للأضرار الناتجة عن هذا المعتقد للنيل من علماء المسلمين ووصفهم بالرجعية ، ولعلكم اطلعتم على همز ولمز البعض في الصحف والمجلات 0
* علاج الرجال للنساء الأجنبيات في غياب المحارم ، وفي وجود مجموعة أخرى من النساء ، وما يرافق ذلك من مخالفات شرعية تشمل العراك معهن ، واعتلاء صدورهن والجلوس عليها ، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم المتضمن الرفق بأجسام النساء ، حيث وصفهن بالقوارير ، هذا بالإضافة إلى سقوط الأخريات منهن وقد تكشفن وتسلل الرعب والخوف إلى البعض الآخر منهن ، نتيجة الاعتقاد السائد بأن الجن يتنقلون بين الحاضرات ، واتهام الخائفات المحتفظات بتماسكهن بأن ذلك من علامات المس 0
* ما يتعرض له المرضى من أذى نتيجة للضرب المبرح والخنق ، الذي فيه منع للدم من أن يصل إلى المخ ، والهواء من أن يصل إلى الرئة ، دون التمييز الصحي بين أحوال المرضى ، إذ أن محور العملية العلاجية يكمن في جعل المريض يتكلم بشخصية الجني ، حتى ولو كلفهم ذلك حياة المريض بدعوى أن الضرب لا يقع إلا على الجني ولعلكم تسمعون وتقرأون في الصحف من فترة لأخرى عن وفاة أطفال أبرياء أو كبار بسبب ضرب المعالِجين بغرض استنطاق الجن 0
* التسرع في عملية التشخيص للمريض دون التمحيص وبحث الأسباب فمثلا أنت معك جني كافر لأنك عندما تسمع القرآن تخاف ، أو أنت معك سحر لأنك تشعر بآلام في الجهاز الهضمي وتعاني من الأرق ، أو لأنك تبكي عند سماع القرآن ، وكل هذه الأمور لها أثرها السيئ على الحالة النفسية للمريض خصوصا إذا لم يحصل الشفاء 0
* الاستغلال المادي للمرضى وآلامهم ، مع تفشي ظاهرة التردد والتنقل المستمر بين المعالِجين ، لأن الجن يعودون للظهور مرة أخرى وبأسماء وهويات جديدة ، ومن يجلس في أماكن العلاج يلاحظ ذلك ، والبعض منهم يعرض بعض السلع للبيع ، مثل العسل الأصلي وزيت الحبة السوداء وبأسعار خيالية 0
* انتشار بعض الكتب والأشرطة التي تتضمن حوارات مزعومة مع الجن أثارت ضحك واستهجان أصحاب البصيرة لما اشتملت عليه من منافاة للعقل والمنطق ) ( جريدة المسلمون - العدد 641 - الجمعة 10 محرم 1418 ) 0
* وتنقل عنه جريدة المسلمون أيضا : ( ناشد الدكتور مؤذن العلماء وطلبة العلم الاستمرار فيما عودونا عليه من تحري الحق والصواب واتباع الدليل ، وعدم التأكيد على الاجتهادات التي تفتقر إلى الدليل 0 وطالب العلماء بأن يقولوا كلمة الفصل ، ويضعوا حدا للأضرار وللمهازل التي تحدث من المعالِجين في أماكن العلاج والذين تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم 0
ودعاهم إلى التطوع والوقوف بأنفسهم ليروا ما يحدث في هذه الأماكن ، وأكد أن هذا لا يتأتى بالمحاضرات التوعوية للمعالِجين بالقول بأنه لا يجوز الذبح لغير الله وأنه ينبغي أن يكون الضرب والخنق خفيفا وأن الجن فيهم كذب ولا ينبغي تصديقهم 0 نعم في الجن كذب ولكنهم يصدقون أحيانا كما ورد في حديث الشيطان مع أبي هريرة حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( صدقك وهو كذوب ) فأي شيء من كلامهم نأخذه على محمل الصدق هل هو ما وافق هذه الاجتهادات والباقي هو محض كذب 0 وقال إن الخلاف في هذه المسألة ليس كبقية الخلافات إنه خلاف نشأ عنه ضرر ومفسدة وفتنة وأن باب سد الذرائع يقتضي وجوب قفل هذا الباب وهذا لا يتأتى إلا بالرجوع إلى ما جاء به الكتاب والسنة فالقول بأن هذه حوادث وقصص فردية قول غير صحيح وخاطب العلماء ما أحوج الناس أن يسمعوا منكم أن الفتوى بأن الشيطان يتكلم على لسان الممسوس أو المسحور هي فتوى ليس لها أصل لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا في سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وأن من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ، ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد 0 فأنتم خير من يعلم بأن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد e وأن شر الأمور محدثاتها إلى آخر ما جاء به الحديث ) ( جريدة المسلمون - العدد 642 - الجمعة 17 محرم 1418 ) 0
قلت : كلام الدكتور بشكل عام يؤصل بعض القضايا الهامة المتعلقة بالرقية والعلاج ، ولكنه يحتاج لبعض الوقفات لضبط بعض العبارات بالضوابط الشرعية والسلوكية ، وهي على النحو التالي :
1)- يفهم القارئ من خلال كلام الدكتور حول موضوع استنطاق الجني على لسان المصروع بأنه اعتقاد مبني على الاجتهاد ويفتقر إلى الدليل ، ومع تقديري للدكتور الفاضل وحرصه الشديد على المصلحة العامة للمسلمين ، ومحاولته ضبط بعض الأمور والمسائل المتعلقة بالرقية ، إلا أنني أخالفه الرأي حول اعتقاده هذا ، فنحن نعلم يقينا أن مسألة كلام الجني على لسان المصروع ليس لها أصل في الكتاب والسنة كما تم الإشارة آنفا ، ولكنها تواترت بالنقل عن السلف والخلف ، وبذلك لا نستطيع إنكارها فهي حقيقة واقعة أقرها كثير من أهل العلم قديما وحديثا ، يقول الشبلي : ( قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : قلت لأبي : إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنس 00 فقال : يا بني يكذبون هوذا يتكلم على لسانه ) ( مختصر آكام المرجان في أحكام الجان – ص 37 ) ، ومن هنا لا نستطيع إنكار هذه الحقيقة الواقعة ونبدأ بالهمز واللمز في أقوال التابعين وسلف الأمة بحجة الدليل والبرهان وكأننا بذلك أحرص من شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – والإمام أحمد ابن حنبل – رحمه الله – على هذا الدين وهذه العقيدة ، ليس ذلك فحسب بل وصل بنا الحد إلى القول بخصوص تلك المسألة : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، وكون أن نحرص على ضبط القواعد والأصول المتعلقة بالرقية الشرعية بشكل عام والحوارات أو استنطاق الجني على لسان المصروع بشكل خاص ، فهذا واجب شرعي مطلوب ، أما أن نبدأ برد بعض الأمور بسبب حجج واهية فهذا يحتاج لوقفة وإعادة نظر ، ولسنا بأحرص من أئمة وعلماء الأمة على الدليل الموافق للكتاب والسنة ، وما اجتهدوا في مسألة قط إلا بناء على هذين الأصلين العظيمين 0
2)- أما قول الدكتور حسني مؤذن عن إمعان المريض في إعطاء لسانه حرية التفوه بكلمات الكفر أثناء نوبة الصرع فغير صحيح ، فإن كنا نقر شرعا وعقلا بدخول الجني في بدن الإنسي ، فإننا نقر كذلك بكلامه على لسان المصروع وبالتالي لا يجوز أن نظهر بأن المريض هو الذي يطلق العنان لنفسه للتفوه بتلك الكلمات ، أما القول بأن بعض المرضى يتوهم ذلك الأمر فهذا صحيح في بعض الحالات ولكن الكلام لا يؤخذ على إطلاقه ، وهنا لا بد للمعالِج المتمرس الحاذق التأكد من ذلك وتوجيه الحالة المرضية الوجهة الصحيحة التي يراها بعد الدراسة العلمية الموضوعية المستفيضة ، فإما أن تنصح بالذهاب للطبيب النفسي المسلم أو للطبيب الأخصائي المتمرس الحاذق في مهنته ، وإما أن تنصح بمراجعة المعالِج الحاذق المتمرس ليقف على الداء ويصف الدواء النافع بإذن الله تعالى 0
3)- قول الدكتور حسني مؤذن بأن الذبح لغير الله محرم ليس صحيحا بل الصحيح أن الذبح لغير الله سواء كان تعظيما أو تقربا أو لأي سبب آخر هو كفر بالله عز وجل ، وعدم توبة صاحبه من فعله هذا يعني إحباط العمل والخلود في النار 0
4)- وأما المعتقد بكلام الجني على لسان المصروع والتفوه بكلمات تؤدي لمفاسد عظيمة بسبب استنطاق المعالِج لذلك الجني فقد يكون الأمر دون وجود المعالِج أصلا ، وقد يقع ذلك مع أهل المريض ومحارمه ، ولا بد في هذه الحالة من زرع التوعية لدى الناس وتأصيل هذه المسألة وضبطها بضوابطها الشرعية والسلوكية بحيث يربي الناس على الاعتقادات والتصرفات الصحيحة التي تجعلهم في منأى من تصديق وأخذ كل ما يقوله الجن كحقائق ومسلمات ، هذا إن كانت النوبة الصرعية أصلا ناتجة عن صرع الجن للإنس 0
5)- وأما انتشار بعض المعتقدات أو الأفعال عن هؤلاء المعالِجين ، وقسم منها يتعلق بكلام الجني على لسان المصروع والقسم الآخر يتعلق بسلوكيات المعالِجين ، فقد لخصها الدكتور حسني بالآتي :
أ - أن لهم كرامات وقوى خاصة مؤثرة 0
ب- العقوق وقطيعة الرحم نتيجة للتصرفات غير المسؤولة من بعض المعالِجين 0
ج- استغلال الذين في قلوبهم مرض من العلمانيين والمرجفين للأضرار الناتجة عن معتقد كلام الجني على لسان المصروع 0
د- علاج الرجال للنساء الأجنبيا